رأيك يهمنا.....

كل كلمة تبديها وكل مشاركة وكل زيار ة هي بمثابة دفعة إلى الأمام لتحسين المحتوى وهكذا نلتقي!
الكثيرون يمرون من هنا... لكن قليلون من يتركون الأثر.. فتذكر أن تكون من القليل المميز وضع بصمتك للذكرى! من هنا

الشعب يريد الصياغة من جديد


المشهد الأول: في أثناء اختياره لملابسه و تعلقه الشديد بذلك القميص غريب اللون و الشكل و إصرار والده الشديد على عدم شرائه، بل معاقبته بالضرب و حرمانه يومها من شراء أي قميص آخر جديد.


المشهد الثاني: في أحد الحوارات بين والديه، تدخل و قال رأيه بكل بساطة فإذا بأمه تصرخ في وجهه و تقول: لا تتدخل في حوارات  الكبار أبدا.


المشهد الثالث: انتخابات الطلاب في الفصل عندما قام المدرس رائد الفصل بإلغاء الانتخابات و تعيين ذلك الطالب الضخم أمينا للفصل بنفسه.


المشهد الرابع: أحد الأطفال يريد شيئا ما، و يتدحرج على الأرض أمام والديه احتجاجا حتى يستجيبا، لكن لا حياة لمن تنادي.


المشهد الخامس: موظف تمت إقالته من وظيفته لأن رأيه يخالف رأي المدير، و أن له وجهة نظر أخرى، تمت الإقالة دون حتى مناقشة وجهة نظره.


المشهد السادس: أب يختار لابنه زوجة و يعلن غضبه عليه إن لم يتزوجها.


المشهد السابع: خمسة عشرة جبهة سياسية كل منها تصرخ في مؤتمر صحفي و تهاجم الأخرى بأبشع الألفاظ.


كلها مشاهد و مناظر مألوفة داخل البيئة المصرية خاصة و البيئة العربية عامة، هذا ما درجنا عليه و هذا ما وجدنا عليه أباءنا، فالقاعدة السائدة أنه ليس لنا حرية الحديث و حرية اتخاذ القرار أو الاختيار طالما أننا لسنا السُّلطة، لكنها رسخت في أذهاننا و في تكويننا السيكولوجي أن صاحب السُّلطة هو صاحب الحقّ في الاختيار، حيث هو صاحب القوة، سواء القوة المالية أو الجسدية أو القوة المسلحة !


فهناك خلط دائم لدينا بين القائد و بين السُّلطة، و بين السُّلطة و بين صواب الرأي، فالحقيقة أنه ليس كل صاحب سُلطة هو قائد ، و ليس كلّ صاحب سُلطة على حق دائماً، إن سنين سابقة من التربية ذات الأخطاء و ميراث ثقيل من تأليه الحاكم و عدم المشاورة و عدم اعتبار رأي الآخر و سنين من التهميش لكل الآراء عدا رأي السّلطة، تصبح الممارسة الطبيعية في حالة زوال السلطة و اتاحة الحرية شبه المطلقة، هي أن يعتبر كل منّا نفسه سلطة بديلة و يبدي تعنّتا و تمسّكا برأيه لدرجة إهمال وجود الآخر، بل و اتهامه أيضا بأبشع الاتهامات، فبتطبيق الأمر على حوار الأجيال: يتهم الجيل الأكبر جيل الشباب بأنهم ضعيفوا الخبرة، و أنهم متسرعون و أنهم قليلوا التربية، و يتهم جيل الشباب الجيل الآباء: بالفشل و أنهم مسؤولون عمّا آلت إليه أحوال البلاد، و بأنهم متحجرون و ليس لديهم الإمكانات للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة، و بتطبيق الأمر بصورة أكبر على الوضع السياسي القائم، تجد مختلف التيارات لديها نفس المشاكل و نفس السيكولوجية الكل يضع نفسه في موقف الجيل الأكبر – لأنه من وجهة نظره ضحّى أكبر التضحيات و يمتلك أكبر الخبرات و أنه الأكثر استحقاقية للسلطة و بالتالي هو الصواب و لا يريد إلا رأيه و نفسه – و يكون رد التيارات الأخرى نفس رد الجيل الأصغر: و هو أنهم المسؤولون عما آلت إليه الأحوال و بأنهم متحجّرون و متكلّسون و ليس لديهم القدرة على التعامل مع تغيرات الموقف – و هذا بالتبادل بين كل التيارات على الساحة السياسية الآن، فالكل يأخذ موقفا مشابها لموقف الجيلين الأكبر و الأصغر في آن واحد و بالتبادل !


و هنا يتجلى الواقع، هرم الكؤوس، يُصَبّ في أعلاها الماء حتى يفيض منها إلى الكؤوس الأدنى و هكذا حتى تتمتلئ كلها عن آخرها و تفيض على الأرض !


فكلّ منّا كفرد أو مؤسسة أو جماعة عبارة عن كأس تم ملأها لمدد طويلة وليس لدينا القدرة على تنظيم الكمية التي لدينا إلى الآن، لأننا اعتدنا على هذا، اعتدنا على أن نتصرف دون وعي كما يُصَبّ الماء و يفيض دون وعي و دون إرادة، فنترك الأمور تسير صدفة !


فقديما قالت قطعة خشب لمسمار: لقد آلمتني، فرد عليها لو رأيتي الدقّ على رأسي !


الحل إذن لكل شئ و لكل أزمة - حتى ما هو ليس واضحا أمامنا الآن- هو الخروج من مصفوفة الكؤوس، التي تجعلنا ندير الأمور بشكل تلقائي، و التحكم في مقدار استيعابنا للأمور و إدارتها و إدراك كل فرد و كل جماعة لحجمهم الحقيقي و دورهم في مصفوفة المجتمع، فلا أحد يحتكر الحقيقة، و لا أحد لديه الصواب لأنه لديه القوة، و لا أحد يحتكر القيادة لأنه لديه السلطة، فالقائد يعرف حتى لو كان فقيرا مُعدما مُقعدا لا يملك من الدنيا شيئًا، و إن كان الناس في بدايات الأمور ينبهرون بالقوة و السلطة و يخضعون لها، إلّا أن الأمر لا يلبث أن ينكشف، و أن يظهر القائد الحقيقيّ يلوح في الأفق، و هو لا يحمل أي صفة من القداسة أو صفات الألوهية، و لكنه يحمل القدرة الحقيقية على التغيير، و على احتواء الجميع، و سماع جميع وجهات النظر، و صناعة التقارب بينها، و الحكم على الأمور ببصيرة نافذة و وعي حقيقي، و ليس القائد هو من يجيد الحديث أو الخطب – كما اعتدنا- و لكن القائد هو من يجيد التنفيذ و اكتشاف أقصى ما لدينا من قدرات و وضع كل منّا في مكانه الصحيح و المناسب، و أيضا هو من يجيد صناعة التوافق، و التحفيز الدائم و المستمر لمن هم حوله، و يتقن دوره كقدوة، القائد ليس دائما صاحبَ منصب، و لكننا نحتاج له في كل منصب، ففي حواراتنا اليومية أو السياسية أو في كل المجالات و كل الاجتماعات، نحتاج إلى أن نُشبِع رغبتنا من الكلام، إنها شهوة الكلام، نحتاج إلى من لا يسفّه آراءنا، بدعوى أنه يحتكر الحقيقة، نحتاج لمن يعاملنا كمستقلين و ليس كتابعين، نحتاج إلى من ينصت إلينا، يشعرنا بوجودنا، يشاركنا آلامنا، و مشاكلنا، واقتراحاتنا أيضا، و لهذا لذا اختُرِعَت الديموقراطية، ليأخذ كل فرد حقه في التعبير، مهما اعتبرته أنت سفيها، أو ماجنا، مهما كان فكره، مهما كان انتماؤه، لكنّه موجود ليدلي برأيه و يسمع صوته.


أزمتنا في أننا نريد إلغاء وجود الآخر، نريد أن نمحوه، و بعد أن نمحوه سنتّجه حتما لمحو أجزاءَ منّا حتى لا يتبقى إلا فرد، و كل الباقين مجرد مُطَبّقينَ لرؤيته و أهدافه و مصالحه أيضا، و هنا تنشأ الديكتاتورية، و التي ما زلنا نعايشها إلى يومنا هذا، فلنعود إلى بداية المشاهد، و لنعلم أنه لو اختفت تلك المشاهد من حياتنا، فستنصلح الأحوال كثيرا، و سنبدأ نستمع إلى بعضنا البعض، و تصبح لدينا القدرة الكاملة على حل مشاكلنا، فلو كل صاحب سلطة في مكانه، سواء أب أو مدير أو معلم أو راعٍ تخلّص من ذلك الديكتاتور الذي بداخله، و تخلص من رغبته في الانتقام من الآخر، و من عُقدة كونه "على صواب دائما" فستكون البداية المُثلى، لعملية صناعة إنسان واعٍ و مدرك و ذو شأن و قيمة و رأي سليم أيضا، فلا يمكن لأب أو لمسؤول أن يعيش مدى الحياة ليحافظ على أبنائه و مرؤوسيه، و يتخذ القرار بدلا منهم، فبعد وفاته سيقع عليهم عبء اتخاذ القرار، و سيطبقونه بما تعلموه من أن اتخاذ القرار لجمع من الناس وظيفة فرد، دون نقاش أو حوار حقيقي، و هي الطريقة الخاطئة التي أودت بأسرٍ كاملة إلى التحطّم و الانهيار، بل وصل الأمر إلى نظمٍ سياسية مختلفة المبادئ، لكن لها نفس فكرة اتخاذ القرار الفردي، و البعيد كل البعد عن الحوار، فلن تتقدم الأمّة خطوة إلا بصناعة الإنسان العصري المتحرر من أعباء الماضي النفسية قبل كل شئ فالتقدم و الحرية يولد كفكرة قبل أي شئ، و وظيفة من عاصر الثورة أن يزرع الفكرة و سيجنيها الأبناء في وقتٍ عسى أن يكون قريبا.

رسائل الموتى .. الرسالة الأولى

أكتب إليكم اليوم .. نعم اليوم بعد سبع أو ثمان سنوات من إعلان وفاتي .. قطعا لا أعرف كم مرّ من الوقت .. فكل آلات التقويم هنا معطلة .. لا أملك إلا أن أبقى مستيقظا أعد إشراقات الشموس يوما خلف الآخر و بحسبة بسيطة أكوّن الشهور و السنون .. لا أعرف في أي الأيام نحن و لا في أي السنوات .. أذكر أن تاريخ إعلان وفاتي كان ثالث أيام عيد الأضحى في سنة ما .. يومها كنت هناك في تلك الحجرة العتيقة التي شارفت على الثلاثين دون تجديد لكنها أغرتني يومها بالمكوث هناك و أن أداعب أوتار آلة والدي الذي سبقني إلى مصيري منذ 5 أعوام بشرية قبل وفاتي .. ذلك الكمان الضخم الميراث العائلي الأوحد .. عزفت على كل أوتاره عدا هذا الوتر في نهاية الصف لا أدرك خوفا أم نسيانا أم أن آصابعي غير المدربة لا تدرك أهمية نغمته في إكمال اللحن ؟ حتى الآن لا أدرك إصرار الغرفة العتيقة على أن تناديني .. هل لأن بداية إدراكي لمعاني الألحان كان هنا ؟؟ أم لأن أول مرسم لي كان بجوار آلة والدي و لم يكن الوحي يهبط عليّ إلا على ألحانه .. تبا لتلك الحيرة الحمقاء ؟ و تساؤلات غبية معتوهه لماذا لماذا لماذا .. هل من المفترض دائما أن ندرس الدوافع و الأقدار و نحللها أم من المفترض أن نصحح الأوضاع و نتساءل ماذا سنفعل ؟ حجرة بالية عتيقة عمرها اليوم 38 عاما تسيطر على بشري حتى بعد موته السحيق هل بإمكان المادة و اللا معقول أن تنفذ إلى أعماق الموت إلى أعماق البرزخ ؟ أظنها تلك التشققات على الجدران .. تصنع الشيفرة السحرية للنفاذ ؟ هناك بقع الرطوبة أثرت على دهان الحجرة .. مهلا .. أذكر بقعة تشبه كرةً بلورية  .. و أخرى تشبه الشفاه .. هناك نقش .. نعم هناك آخر أذكره .. يشبه نقش الحناء على القدم .. أظنه في الزاوية اليسرى من الغرفة أمام الباب.. أظنني لم أمت .. هل قتلتني الغرفة لتتملكني ؟ أم أنني انتحرت قبل أن أدخلها لأدفن فيها .. يااااااااه ما أصعب أن تذكر حادثة وفاتك .. ! كم هو صعب الألم .. نعم الموت المؤلم .. أم أنني اكتسبت هذا الوجع من تراكم الموت على مر 8 سنوات ؟ أصعب ما في الموت .. هو محاولة تقليد الأحياء .. و محاولة التذكر مثلهم .. كم هو مؤلم أن تحيا بين عالمين منفصلين .. أن تحيا .. أقصد تموت و ذاكرتك في عالم الأحياء .. و لربما أنا حي و ذاكرتي في عالم الموتى البارد .. فاقد الألوان .. الألوان التي أحببتها طيلة ما كنت أصل إليها .. و إن لم أصل أصنعها بيدي .. أما الآن .. فأنا أفتقدها .. أفتقدها تماما .. فلا يوجد سوى ألوان الغرفة .. الباهتة!!